الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
فمن الحوادث فيها: مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وذلك أنه أقبل حتى نزل شراف فبينما هم كذلك إذ طلعت عليهم الخيل فنزل الحسين رضي الله عنه وأمر بأبنيته فضربت وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي - وكان صاحب شرطة ابن زياد حتى وقفوا مقابل الحسين عليه السلام في حرْ الظهيرة فأمر الحسين رجلًا فأذن ثم خرج فقال: أيها الناس إنها معذرة إلى الله وإليكم إِني لم آتكم حتى قدمت علي رسلكم وأتتني كتبكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام فإن كنتم كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن: أقم الصلاة فأقام الصلاة وصلى الحسين وصلى الحر معه ثم تراجعوا فجاءت العصر فخرج يصلي بهم وقال: أتتني كتبكم ورسلكم فقال الحر: ما ندري ما هذه الكتب والرسل. فقال: يا عقبة بن سمعان أخرج إلي الخرجَيْن. فأخرجهما مملؤين صحفًا فنشرها بين أيديهم فقال الحر: إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمِرنا أن لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد فقال الحسين: الموت أدنى إليك من ذلك. وقام فركب وركب أصحابه وقال: انصرفوا بنا. فحالوا بينه وبين الانصراف فقال للحر: ثكلتك أمك ما تريد قال: إني لم أومر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقًا لا تدخلك الكوفة ولا تردك المدينة حتى كتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد لعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك فتباشر الحسين والحر يسايره ثم جاءه كتاب عبيد الله بن زياد أن جعجع بالحسين حتى يبلغك كتابي فأنزلهم الحر على غير ماء ولا في قرية وذلك في يوم الخميس ثاني المحرم فلما كان من الغد قدم عمرو بن سعد من الكوفة في أربعة آلاف وكان عبيد الله قد ولى عمرو بن سعد الري فلما عرض أمر الحسين قال له: اكفني أمر هذا الرجل ثم اذهب إلى عملك.فقال: أعفني فأبى. قال: أنظرني الليلة فأخره فأنظر في أمره ثم أصبح راضيًا فبعث إلى الحسين رجلًا يقول له: ما جاء بك فقال: كتب إلي أهل مصركم فإذا كرهتموني فإني أنصرف عنكم. وجاء كتاب عبيد الله إلى عمر: حًل بين الحسين وأصحابه وبين الماء كما صنع بعثمان. فقال: اختاروا مني واحدة من ثلاث: إما أن تدعوني فألحق بالثغور أو أذهب إلى يزيد أو أنصرف من حيث جئت فقبل ذلك عمرو وكتب إلى عبيد الله بذلك فكتب عبيد الله. لا ولا كرامة حتى يضع يده في يدي فقال الحسين: لا والله لا يكون ذلك أبدًا. وفي رواية: أن عبيد الله قبل ذلك فقال له شمر بن ذي الجوشن: والله إن رحل عن بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة والعز ولتكونن أولى بالضعف والعجز ولكن لينزلن على حكمك هو وأصحابه فقال له عبيد الله. اخرج بكتابي إلى عمرو بن سعد وليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلمًا وإن أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له وأطع وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الناس فثب عليه فاضرب عنقه واَبعث إلي برأسه. وكتب عبيد الله: أما بعد فإني لم أبعثك إلى حسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة فانظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إلي سلمًا فإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم فإن قتل حسين فاوطىء الخيل صدره وظهره فإنه عاق قاطع فإن مضيت لأمرنا جزيناك خيرًا وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناه والسلام. فلما جاء شمر بالكتاب إلى عمرو وقرأه قال: ويلك لا قرب الله دارك قبح الله ما قدمت به علي والله إني لأظنك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرًا قد كنا رجونا أن يصلح قال: فقال: أخبرني ما أنت صانع لأمر أميرك أتقاتل عدوه وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر. فقال: لا ولا كرامة ولكن أنا أتولى ذلك. قال: فدونك. فنهض إليه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين فقال: أين بنو أختنا فخرج إليه العباس وعبد الله وجعفر بنو علي فقالوا: مالك وما تريد قال: أنتم يا بني أَختي آمنون قالوا: لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أمان له! فنادى عمرو: يا خيل اركبي وأبشري. فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر وحسين جالس أمام بنيه مجتثيًا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه فسمعت أخته الضجة فقالت: يا أخي أما تسمع الأصوات قد اقتربت فرفع رأسه فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: " إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها وقال له العباس: يا أخي أتاك القوم. فنهض وقال: يا عباس اركب بنفسك أنت يا أخي حتى تلقاهم فتقول لهم مالكم وما بدا لكم. فأتاهم العباس في نحوٍ من عشرين فارسًا فقال: ما تريدون فقالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم. قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم. فوقفوا فرجع إلى الحسين فأخبره الخبر ثم رجع إليهم فقال: يا هؤلاء إن أبا عبد الله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشية حتى ننظر في هذا الأمر فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله وإنما أراد أن يوصي أهله فقال عمرو للناس: ما ترون فقال له عمرو بن الحجاج: سبحان الله والله لو كان من الديلم ثم سألك هذا لكان ينبغي أن تجيبه فجمع الحسين أصحابه وقال: إني قد أذنت لكم فانطلقوا في هذه الليلة فاتخذوه جملًا وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم فإن القوم إِنما يطلبوني ولو قد أصابوني لَهَوْا عن طلب غيري. فقال أخوه العباس: لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدًا. ثم تكلم إخوته وأولاده وبنو أخيه وبنو عبد الله بن جعفر بنحو ذلك فقال الحسين: يا بني عقيل حسبكم من الفتك بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم. فقالوا: لا والله بل نفديك بأنفسنا وأهلينا فقبح الله العيش بعدك. وقال مسلم بن عوسجة: والله لو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لرميتهم بالحجارة وقال سعيد بن عبد الله الحنفى: والله لا نخليك حتى يعلم الله أننا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك والله لو علمت أني اقتل ثم أحيا ثم أحرق حيًا ثم أذرى تسعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حِمامي دونك. وتكلم جماعة من أصحابه بنحو هذا فلما أمسى الحسين جعل يصلح سيفه ويقول مرتجزًا: يا دهرُ أف لك من خليل كم لك بالإشراقِ والأصيل من صاحب أو طالب قتيل فلما سمعه ابنه علي خنقته العبرة فسمعته زينب بنت علي فنهضت إليه وهي تقول: واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي يا خليفة الماضي وثمال الباقي. فقال لها الحسين: أخَيَّة لا يذهِب حلمَك الشيطانُ. وترقرقت عيناه فلطمت وجهها وشقت جيبها وخرت مغشية عليها. فقام إليها الحسين عليه السلام فرشق الماء على وجهها وقال: يا أخَية اعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون ولي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وإني أقسم عليك يا أخيَّة لا تشقي عليَ جيبًا ولاتخمشي وجهًا. وقام الحسين وأصحابه يصلون الليل كله ويدعون فلما صلى عمرو بن سعد الغداة - وذلك يوم عاشوراء - خرج فيمن معه من الناس وعبَّأ الحسين أصحابه وكانوا اثنين وثلاثين فارسًا وأربعين راجلًا ثم ركب الحسين دابته ودعى بمصحف فوضعه أمامه وأمر أصحابه فأوقدوا النار في حطب كان وراءهم لئلا يأتيهم العدو من ورائهم. فمر شمر فقال: يا حسين تعجلت النار في الدنيا. فقال مسلم بن عوسجة: ألا رميته بسهم فقال الحسين: لا إني لأكره أن أبدأهم ثم قال الحسين عليه السلام لأعدائه: أتسبوني فانظروا من أنا ثم راجعوا أنفسكم فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم. وابن ابن عمه. أليس حمزة سيد الشهداء عم أبي وجعفر الطيار عمي. فقال شمر بن ذي الجوشن: عبدت الله على غير حرف إن كنت أدري ما تقول فقال: أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو فنادى: يا شبث بن ربعي يا قيس بن الأشعث يا حجار ألم تكتبوا إليَّ قالوا: لم نفعل فقال: فإذا كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم. فقال له قيس: أولا تنزل على حكم ابن عمك فإنه لن يصل إليك منهم مكروه فقال: لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل. فعطف عليه الحر فقاتل معه فأؤل من رمى عسكر الحسين عليه السلام بسهم: عمرو بن سعد وصار يخرج الرجل من أصحاب الحسين فيقتل من يبارزه فقال عمرو بن حجاج للناس. يا حمقى أتدرون مَنْ تقاتلون هؤلاء فرسان المصر وهم قوم مستميتون فقال عمرو: صدقت فحمل عمرو بن الحجاج على الحسين فاضطربوا ساعة فصُرع مسلم بن عوسجة أول أصحاب الحسين وحمل شمر وحمل أصحاب الحسين عليه السلام من كل جانب وقاتل أصحاب الحسين قتالًا شديدًا فلم يحملوا على ناحية إلا كشفوها وهم اثنان وثلاثون فارسًا فرشقهم أصحاب عمرو بالنبل فعقروا خيولهم فصاروا رجالة ودخلوا على بيوتهم يقوضونها ثم أحرقوها بالنار فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شابًا من أهل بيته منهم من أولاد علي عليه السلام: العباس وجعفر وعثمان ومحمد وأبو بكر. ومنهم من أولاد الحسين: علي وعبد الله وأبو بكر والقاسم. ومنهم من أولاد عبد الله بن جعفر: عون ومحمد. ومن أولاد عقيل: جعفر وعبد الرحمن وعبد الله ومسلم قتل بالكوفة. وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل وجاء سهم فأصاب ابنًا للحسين وهو في حجره فجعل يمسح الدم عنه وهو يقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا. فحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى: عليَّ بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله. فصاح النساء وخرجن من الفسطاط وصاح به الحسين عليه السلام: حرقك الله بالنار. ثم اقتتلوا حتى وقت الظهر وصلى بهم الحرّ صلاة الخوف ثم اقتتلوا بعد الظهر وخرج علي بن الحسين الأكبر فشد على الناس وهو يقول: أنا علي بن الحسين بن علي نحن ورب البيت أولى بالنبي تالله لا يحكم فينا ابن الدعي فطعنه مرة بن منقذ فصرعه واحتوشوه فقطعوه بالسيوف فقال الحسين: قتل الله قومًا قتلوك يا بني على الدنيا بعدك العفاء. وخرجت زينب بنت فاطمة تنادي: يا أخاه يا ابن أخاه. وأكبت عليه فأخذ بيدها الحسين فردها إلى الفسطاط وجعل يقاتل قتال الشجاع وبقي الحسين زمانًا ما انتهى إليه رجل منهم إلا انصرف عنه وكره أن يتولى قتله واشتد به العطش فتقدم ليشرب فرماه حصين بن تميم بسهم فوقع في فمه فجعل يتلقى الدم ويرمي به السماء ويقول: اللهم أحصهم عددًا واقتلهم مددًا ولا تذر على الأرض منهم أحدًا. ثم جعل يقاتل فنادى شمر في الناس: ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه. فضربه زرعة بن شريك على كتفه وضربه آخر على عاتقه وحمل عليه سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع فنزل إليه فذبحه واجتز رأسه فسلمه إلى خولى بن يزيد الأصبحي ثم انتهبوا سلبه فأخذ قيس بن الأشعث عمامته وأخذ آخر سيفه وأخذ آخر نعليه وآخر سراويله ثم انتهبوا ماله فقال عمرو بن سعد: من أخذ شيئًا فليرده فما منهم مَنْ رد شيئًا. وجاء سنان حتى وقف على فسطاط عمرو بن سعد ثم نادى: أوقر ركابي فضةً وذهبا فقد قتلتُ السيد المحجبا قتلت خير الناس أمًا وأبا وخَيرَهم إذ ينسبون نسبا فقال له عمرو: يا مجنون تتكلم بهذا الكلام ثم قال عمرو: مَنْ يوطىء فرسه الحسين فانتدب أقوام بخيولهم حتى رضوا ظهره وأمر بقتل علي بن الحسين فوقعت عليه زينب وقالت: والله لا يقتل حتى أقتل. فرق لها وكف عنه. وبعث برأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسًا وصاحبهم قيس بن الأشعث. وجاءت هوازن بعشرين رأسًا وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن وجاءت بنو تميم بسبعة عشر وبنو أسد بستة وبنو مدحج بسبعة. فلما وصل رأس الحسين إلى ابن زياد جعل ينكث ثنيته بقضيب في يده فقال له زيد بن أرقم: والله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما ثم نصب رأس الحسين بالكوفة بعد أن طيف به ثم دعى زفر بن قيس فبعث معه برأس الحسين ورؤوس أصحابه إِلى يزيد فلما دخل على يزيد قال: ما وراءك. قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ورد علينا الحسين في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم ابن زياد أو القتال فاختاروا القتال فغدونا عليهم من شروق الشمس فأحطنا بهم فجعلوا يهربون إلى غير وزَر ويلوذون منا بالآكام والحفر كما تلوذ الحمائم من صقر فوالله ما كان إلا جَزْرَ جَزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وخدودهم معفرة تصهرهم الشمس وتسفى عليه الريح تزاورهم العقبان والرخم بقي سبسب فدمعت عينا يزيد وقال: كنت أرضى من طاعتهم بدون قتل الحسين لعن الله ابن سمية أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه. ثم جلس يزيد ودعى أشراف أهل الشام وأجلسهم حوله ثم أدخلهم عليه. أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال: أخبرنا الحسين بن علي الطناجيري قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سالم قال: حدثنا علي بن سهل قال: حدثنا خالد بن خداس قال: حدثنا حماد بن زيد عن حميل بن مرة عن أبي الوصي قال: نحرت الإبل التي حمل عليها رأس الحسين وأصحابه فلم يستطيعوا أكلها كانت لحومها أمر من الصبر. قال مؤلف الكتاب: ولما جلس يزيد وضع الرأس بين يديه وجعل ينكث بالقضيب على فيه ويقول: يُفلقن هامًا من رجال أعِزةٍ ** علَيْنَا وَهًمْ كانوا أعَقً وأظْلَما فقال أبو برزة - وكان حاضرًا: ارفع قضيبك فوالله لرأيت فاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على فيه يلثمه. أخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا ابن أحمد السراج قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي العلاف قال: أخبرنا أبو الحسين بن أخي ميمي قال: أخبرنا أبو الحسين بن صفوان قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثني محمد بن صالح قال: حدثنا علي بن محمد عن خالد بن يزيد بن بشر السكسكي عن أبيه عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي قال: يفلقن هامًا من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما أنبأنا علي بن عبيد الله بن الزغواني قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة عن أبي عبيد الله المرزباني قال: أخبرنا محمد بن أحمد الكاتب قال: أخبرنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثنا محمد بن يحيى الأحمري قال: حدثنا ليث عن مجاهد قال: جيء برأس الحسين بن علي فوضع بين يحي يزيد بن معاوية فتمثل بهذين البيتين يقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل فأهلوا واستهلوا فرحًا ثم قالوا لي: بقيت لأتمثل قال مجاهد: نافق فيها ثم والله ما بقي من عسكره أحدًا إلا تركه. قال علماء السير: ثم دعا يزيد بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه فأدخلوا عليه فقال لعلي: يا علي أبوك الذي قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما رأيت. فقال علي: " فرق لهم يزيد فقام رجل أحمر من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين هب لي هذه - يعني فاطمة بنت علي - وكانت وضيئة فارتعدت فأخذت بثياب أختها زينب - وكانت زينب أكبر منها - فقالت زينب: كذبت والله ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقال: كذبت إن ذلك لي ولو شئت أن أفعله لفعلته قالت: كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن يخرج من ملتنا ويدين بغير ديننا فعاد الشامين فقام وقال: هب لي هذه فقال: اغرب وهب الله لك حتفًا قاضيًا ثم قال يزيد للنعمان بن بشير: جهزهم بما يصلحهم وابعث معهم رجلًا من أهل الشام أمينًا صالحًا يسير بهم إلى المدينة. ثم دخلن دار يزيد فلم يبق من آل معاوية امرأة إلا استقبلتهن تبكي وتنوح على الحسين وكان يزيد لا يتغدى ولا يتعشى إلا دعا علي بن الحسين فدعاه يومًا ودعا معه عمرو بن الحسين - وكان صغيرًا - فقال يزيد لعمرو: أتقاتل هذا يعني ابنه خالدًا. قال: لا ولكن أعطني سكينًا وأعطه سكينًا ثم أقاتله. فقال يزيد: سُنّةٌ أعرفها من أحرم ثم بعث بهم إِلى المدينة وبعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد بن العاص - وهو عامله على المدينة - فكفنه ودفنه بالبقيع عند قبر أمه فاطمة. هكذا قال ابن سعد. وذكر ابن أبي الدنيا أنهم وجدوا في خزانة يزيد رأس الحسين فكفنوه ودفنوه بدمشق عند باب الفراديس. ولما أتى أهل المدينة مقتل الحسين عليه السلام خرجت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها ماذا تقولون إن قال النبي لكم ماذا فعلتم وأنتم أفضل الأمم بعترتي وبأهلي عند منطلقي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بشرٍ في ذوي رحم أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثنا الزبير بن بكار قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال: كان علي بن الحسين الأصغر مع أمه وهو يومئذٍ ابن ثلاث وعشرين سنة وكان مريضًا فلما قتل الحسين قال عمرو بن سعد: لا تعرضوا لهذا المريض قال علي بن الحسين: فغيبني رجل منهم فأكرم منزلي واختصني وجعل يبكي كلما دخل وخرج حتى كنت أقول: إن يكن عند أحدٍ خير فعند هذا. إلى أن نادى منادي عبيد الله بن زياد: ألا مَنْ وجد علي بن الحسين فليأت به فقد جعلنا فيه ثلثمائة درهم. قال: فدخل عليّ والله وهو يبكي وجعل يربط يدي إلى عنقي ويقول أخاف. وأخرجني إليهم مربوطًا حتى دفعني إليهم وأخذ ثلثمائة درهم وأنا أنظر وأدخلت على ابن زياد فقال: ما اسمك فقلت: علي بن الحسين. فقال: أو لم يقتل الله عليًا قلت: كان أخي يقال له علي أكبر مني قتله الناس: قال: بل الله قتله قلت: الله يتوفى الأنفس حين موتها. فأمر بقتله فصاحت زينب بنت علي: يا ابن زياد حسبك من دمائنا أسألك بالله إن قتلته إلا قتلتني معه. فتركه فلما صار إلى يزيد بن معاوية قام رجل من أهل الشام فقال: سباياهم لنا حلال فقال علي بن الحسين: كذبت ما ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا فأطرق يزيد مليًا ثم قال لعلي بن الحسين: إن أحببت أن تقيم عندنا فنصل رحمك فعلت وإن أحببت وصلتك ورددتك إلى بلدك قال: بل تردني إلى المدينة. فوصله ورده. أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا أحمد أبن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن أحمد الرزاز قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف قال: حدثنا بشر بن موسى قال: حدثنا عمر بن علي قال: قتل الحسين بن علي سنة إحدى وستين وهو يومئذ ابن ست وخمسين سنة في المحرم يوم عاشوراء.وقد قال جعفر بن محمد: وهو ابن ثمان وخمسين سنة. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: وهو ابن خمس وستين أو ست وستين. قال مؤلف الكتاب: وهذا لا وجه له فإنه إنما ولد في سنة أربع من الهجرة ومن نظر في مقدار خلافة الخلفاء إلى زمان قتله علم أنه لم يصل إلى الستين. وقول جعفر بن محمد أصح. أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا ابن رزق قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الحافظ قال: حدثنا الفضل بن الحباب قال: حدثنا محمد بن عبد الله الخزاعي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عامر بن أبي عمار عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فقلت: ما هذه القارورة قال: " دم الحسين وأصحابه ما زلت ألتقطه منذ اليوم " فنظرنا فإذا هو في ذلك اليوم الذي قتل فيه الحسين. أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا أحمد بن عثمان بن مياح قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال: حدثنا محمد بن شداد المسمعي قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وسلم إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفًا وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفًا وسبعين ألفًا. وأخبرنا ابن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد العتيقي قال: سمعت أبا بكر محمد بن الحسن بن عبدان الصيرفي يقول: سمعت جعفر الخلدي كان بي جرب عظيم فتمسحت بتراب قبر الحسين فغفوت فانتبهت وليس عليّ منه شيء. وزرت قبر الحسين فغفوت عند القبر غفوة فرأيت كأن القبر قد شقّ وخرج منه إنسان فقلت: إلى أين يا ابن رسول الله فقال: من يد هؤلاء. وفي هذه السنة: ولى يزيد بن معاوية سالم بن زياد سجستان وخراسان فلما شخص خرج معه المهلب بن أبي صفرة ويحيى بن معمر في خلق كثير من أشراف البصرة وفرسانها ورغب قوم في الجهاد فطلبوا إليه أن يخرجهم وخرج معه صلة بن أشيم فخرج سالم وأخرج معه امرأته أم محمد بنت عبد الله بن عثمان بن أبي العاص فغزا سمرقند فهي أول امرأة من العرب قطع بها النهر وكان عمال خراسان يغزون فإذا دخل الشتاء قفلوا من مغازيهم إلى مرو وإذا انصرف المسلمون اجتمع ملوك خراسان إلى مدينة من مدائن خراسان مما يلي خوارزم يتشاورون في أمورهم وكان المسلمون يطلبون إلى أمرائهم غزو تلك المدينة فيأبون عليهم فلما قدم سالم خراسان شتا في بعض مغازيه فألح عليه المهلب وسأله أن يوجه إلى تلك المدينة فوجهه في ستة آلاف - ويقال: في أربعة آلاف - فحاصرهم فسألوه أن يصالحهم على أن يفدوا أنفسهم فأجابهم فصالحوه على نيف وعشرين ألف ألف فحظي بذلك المهلب عند سالم. وفي هذه السنة عزل يزيد عمرو بن سعيد بن العاص عن المدينة وولاها الوليد بن عتبة وذلك لهلال في الحجة. وسبب ذلك: أنه لما قتل الحسين قام ابن الزبير في مكة فعظّم مقتل الحسين عليه السلام وعاب أهل الكوفة ولام أهل العراق فثار إليه أصحابه فقالوا أيها الرجل لم يبق من بعد الحسين من ينازعك بيعتك. وقد كان بايع الناس سرًا وأظهر أنه عائذ بالبيت فقال لهم: لا تعجلوا فلما علم يزيد ما قد جمع ابن الزبير من الجموع أعطى الله عهدًا ليوثقن في سلسلة. فبعث سلسلة من فضة وغلالة وابن الزبير بمكة وكاتبه أهل المدينة وقيل ليزيد: لو شاء عمرو بن سعيد لأخذ ابن الزبير وبعث به إليك. فعزل عمرًا وبعث الوليد أميرًا. وفي هذه السنة: حج بالناس الوليد بن عتبة وكان عامل يزيد على المدينة وكان على البصرة والكوفة: عبيد الله بن زياد وعلى المدينة: الوليد بن عتبة - كما ذكرنا - وعلى خراسان وسجستان: سالم بن زياد. وعلى قضاء الكوفة: شريح وعلى قضاء البصرة: هشام بن هبيرة. جبير بن عتيك بن قيس أبو عبد الله: شهد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت معه راية بني معاوية يوم الفتح. وتوفي في هذه السنة وهو ابن إحدى وسبعين سنة. الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ولد في شعبان سنة أربع من الهجرة وأذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذنه وكان له من الولد: علي الأكبر وعلي الأصغر - وله العقب - وجعفر وفاطمة وسكينة. وقد ذكرنا مقتله كيف كان في الحوادث. أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا أحمد بن معروف الخشاب قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: حدثنا يعلى بن عبيد قال: حدثنا عبيد الله بن الوليد عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: حج الحسين بن علي عليه السلام خمسًا وعشرين حجة ماشيًا ونجائبه تقاد معه. وقيل: علي بن الحسين بن علي هو الذي حج ماشيًا والنجائب تقاد خلفه رضي الله عنه . شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا شيبة بن عثمان بن أبي طلحة: أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: أخبرنا أبو عمر بن حيوية قال: أخبرنا ابن معروف قال: حدثنا ابن الفهم قال: حدثنا محمد بن سعد قال: قال الواقدي عن أشياخ له: كان شيبة بن عثمان يحدث عن إسلامه فيقول: ما رأيت أعجب مما كان فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات فلما كان يوم الفتح دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قلت: أسير مع قريش إلى هوازن بحنين فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة فأثأر منه فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدًا ما اتبعته أبدًا فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بغلته وأصلت السيف فدنوت أريد ما أريد منه ورفعت سيفي فرفع لي شواظ من نار كالبرق حتى كان يمحشني فوضعت يدي على بصري خوفًا عليه فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداني: " يا شيب ادن مني " فدنوت منه فمسح صدري وقال: " اللهم أعذه من الشيطان ". فوالله لهو كان ساعتئذ أحب إلي من سمعي وبصري ونفسي فاذهب الله ما كان بي ثم قال: " إدن فقاتل " فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله يعلم أني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ولو لقيت تلك الساعة أبي لو كان حيًا لأوقعت به السيف فلما تراجع المسلمون وكروا كرة واحدة قربت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستوى عليها فخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه ورجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه فقال: " يا شيبة الذي أراد الله بك خير مما أردت بنفسك " ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي مما لم أكن أذكره لأحد قط فقلت: فإني اشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم قلت: استغفر لي يا رسول الله فقال: غفر الله لك. قال الواقدي: كان عثمان بن أبي طلحة يلي فتح البيت إلى أن توفي فدفع ذلك إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة في ولد شيبة. عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث ابن عبد المطلب بن هاشم صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عنه ولم يزل بالمدينة إلى عهد عمر ثم تحول ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها في عمرة القضية بسرف بعد أن خرج من مكة وبنى بها هناك واتفق أنها ماتت هناك في هذه السنة. الوليد بن عقبة بن أبي معيط أبو وهب: قتل عقبة يوم بدر صبرًا وأسلم الوليد يوم فتح مكة وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وخزاعة وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد بساحاتهم فخرجوا يتلقونه بالسلاح فظنهم محاربين فرجع فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لما رأوه لقوه بالسلاح ومنعوا الصدقة فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم بعثًا وبلغهم ذلك فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سله هل ناطقنا أو كلمنا حتى رجع ونحن قوم مؤمنون فنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمهم: وولاه عمر صدقات بني تغلب وولاه عثمان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص ثم عزله عنها فلم يزل بالمدينة حتى بويع علي فخرج إلى الرقة فنزلها معتزلًا لعلي ومعاوية فمات بها وقبره على خمسة عشر ميلا من الرقة كان له هناك ضيعة فمات بها.
تم الجزء الخامس من كتاب " المنتظم في تاريخ الملوك والأمم " تأليف الشيخ الإمام العالم الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي عفا اللّه عنه.
|